لم يقتصر مفهوم صلة الأرحام في الإسلام علي ذلك المفهوم الضيق الذي يتناول الصلة بين الأشقاء والأقارب فقط، بل امتد واتسع بفضل رحمة الإسلام ليشمل مفهوم الاخوة في الإسلام فالله سبحانه وتعالي قال في كتابه العزيز 'واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا'.
كما قال تعالي 'إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم'.. إلا أن ما أصاب أمتنا الإسلامية الآن والتي جمعت المسلمين وأقامت دولة الإسلام التي أسسها رسول الله صلي الله عليه وسلم علي القوة والعزة وعلي تجميع شمل المسلمين ولم شملهم ورفع رايتهم أصابها التشتت والفرقة وأصبح المسلمون في أغلب الأقطار الإسلامية في تنازع بل وحرب وقتال.
فلماذا تفرقنا وفرطنا فيما جمعنا عليه إسلامنا القوي المتين الذي أوصانا بأن نعتصم بحبله ولا نتفرق؟
لماذا نسي المسلمون أو تناسوا أن صلة أرحامهم تمتد لتشمل كل أخ مسلم في أي قطر وفي أي بلد؟.. لقد انشغل أبناء القطر الواحد والدين الواحد 'الإسلام' بالاقتتال فيما بينهم لأسباب دنيوية بحتة لها دوافع سياسية أو مادية فأصبح 'المسلم' يشهر في وجه اخيه المسلم السلاح ويقتله غافلا عن قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: 'كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه' فاستباح الفلسطيني دم الفلسطيني ناسين أنهما لو توحدا معا سيشكلان قوة ضد عدوهما الصهيوني واستجاب العراقي لنداء الفتنة التي أيقظها أعداء الدين والعروبة من الأمريكان.
ونسي السني والشيعي أنهما في المقام الأول 'مسلمان' ابنا دين واحد وراح يكيل كل منهم للآخر الحقد والكراهية والبغضاء .
فأصبحت القضية ليست قضية احتلال وأرض اغتصبت وخيرات نهبت بل أصبحت قضية من سينتصر ويقضي علي الآخر 'السنة أم الشيعة'.. فتح أم حماس.. شمال أم جنوب؟
وقد عبر القرآن الكريم أصدق تعبير عن صلة الرحم بين المسلم واخيه المسلم حتي وصفه بالنفس فقال تعالي: 'فاقتلوا انفسكم' أي إخوانكم في توبة بني إسرائيل وقال عز وجل 'فسلموا علي أنفسكم' أي اخوانكم. وقال أيضا 'ولا تلمزوا أنفسكم' أي إخوانكم وقال 'علي' رضي الله عنه: 'عليكم بالإخوان فإنهم عدة الدينا والآخرة. ألا تسمع قول أهل النار: 'فما لنا من شافعين ولا صديق حميم'، قال أيضا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما 'والله لو صمت النهار لا أفطره وقمت الليل لا أنامه وأنفقت مالي غلقا غلقا في سبيل الله ثم أموت يوم أموت وليس في قلبي حب لأهل الله وبغض لأهل معصية الله ما نفعني ذلك شيئا'. وذكر الإمام الغزالي في كتابه 'إحياء علوم الدين' أن ابن السماك قال عند موته 'اللهم إنك تعلم اني إذا كنت أعصيك كنت أحب من يطيعك فاجعل ذلك قربة لي إليك'.
ويذكر الغزالي في نفس الكتاب عن فضل تحابب المسلمين وتقوية رحمهم أن الله تعالي أوحي إلي موسي عليه السلام هل عملت لي عملا قط؟ فقال إلهي اني صليت لك وصمت وتصدقت وزكيت فقال: إن الصلاة لك برهان والصوم جنة والصدقة ظل والزكاة نور فأي عمل عملت لي؟ قال موسي: إلهي دلني علي عمل هو لك؟ قال: يا موسي هل واليت وليا قط؟ وهل عاديت فيٌ عدوا قط؟ فعلم موسي أن أفضل الأعمال الحب في الله.. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لو أن رجلا قام بين الركن والمقام يعبد الله سبعين سنة لبعثه الله يوم القيامة مع من يحب. قال عمر رضي الله عنه: 'إذا أصاب أحدكم ودا من اخيه فليتمسك به فقلما يصيب ذلك'.
وقال الفضيل بن عياض: 'نظر الرجل إلي وجه اخيه المسلم علي المودة والرحمة عبادة'.
'إنما المؤمنون إخوة' بهذه الآية الكريمة ابتدأ د. طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر السابق كلماته مؤكدا أنه لا يوجد بين أي جنس من البشر ما يجمعهم كما يجمع الإسلام المسلمين مهما تفرقت أوطانهم أو تعددت جنسياتهم أو تنوعت لغاتهم ماداموا قد اعتصموا بحبل الله جميعا تحت مظلة الإسلام الذي أعطي اهتماما بالغا لصلة الأرحام ومفهوم الاخوة في الإسلام الذي يشمل جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وأضاف د. كريشة أن مفهوم صلة الرحم لم يقتصر علي الأشقاء بل جعل الإسلام ذلك المفهوم يشمل كل من هو مسلم من أقاصي الأرض أو أدناها مشيرا إلي قول رسول الله صلي الله عليه وسلم 'مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي' فالمسلمون جميعا في مشارق الأرض ومغاربها يعبدون إلها واحدا ليس كمثله شيء كما أنهم يدينون بدين واحد هو دين الإسلام وكتابهم واحد هو القرآن الكريم الذي انزله رب العالمين ليخرج الناس من الظلمات إلي النور أي من ظلمات الشرك إلي نور التوحيد ومن ظلمات الجهل إلي نور المعرفة ومن ظلمات التشتت إلي نور التوحد وأنهم ايضا يتجهون في صلاتهم إلي قبلة واحدة حيثما كانوا هي بيت الله الحرام وأن نبيهم هو خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
أما د. عبدالرحمن العدوي فيري أن الله سبحانه جعل المسلمين أمة واحدة ودعاهم ألا يشركوا بالله شيئا والف بين قلوبهم وهذا من أجل النعم التي أنعم الله بها علي المسلمين فيجب أن يتألم المسلم لتألم اخيه المسلم في كل قطر من الأقطار ولاتفصل بينهم حواجز ولا حدود، فصلة رحم المؤمنين أوسع من كل مسافات وأقوي من كل قوي فاصلة وأضاف أن هذا التألم يجب ألا يكون سلبيا وإنما يكون دافعا للمشاركة بالرأي والمال وكل السبل لمواجهة سيل الفتن التي يواجهها المسلمون في كل مكان سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان أو الصومال.
